في ندوة صحافية عاصفة انتظمت مساء الأربعاء بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات، أعلن وزير الثقافة مهدي مبروك عن برنامج الدورة 48 لمهرجان قرطاج الدولي، وعلى الرغم من إطناب السيد الوزير في التفاصيل وفي تقديم الإحصائيات الوصفية التي ذكّرتنا بتضارب التصريحات الحكومية بشأن نسبة نمو الاقتصاد الوطني، فإن الانطباع العام أن وزارة الثقافة اختارت على الرغم من الشعارات المرفوعة طاحونة الشيء المعتاد ، ذلك أن برنامج الدورة 48 لمهرجان قرطاج لا يتضمن أي اسم لم يسبق له المشاركة في المهرجانات التونسية بدءا بقرطاج نفسه، فضلا عن الضعف الواضح للحضور التونسي ذلك أن الفنان الوحيد الذي سيقدم عرضا منفردا هو صابر الرباعي طيلة 42 يوما مدة انتظام المهرجان وعلى امتداد ثلاثين سهرة بالتمام والكمال ويبدو أن الوزارة وجدت الحل المثالي في سهرة افتتاح المهرجان (5جويلية) الذي تنظمه نقابة المطربين المحترفين - وتقرّر تخصيص عائداتها لفائدة النقابة- فاستغنت عن وجع الرأس ولم تبرمج أيا من المطربين التونسيين، كما جمّعت عددا من المطربين في سهرة عيد الجمهورية (25 جويلية) تحت عنوان زئبقي فضفاض هو "أغان للحياة والوطن" (وردت في دليل المهرجان كما يلي"أغاني للحياة والوطن" ونستغرب هذا الخطأ من جيش العاملين في الوزارة وفي إدارة المهرجان) وهو عنوان يصح أن تدرج تحته كل أغاني الدنيا بدءا بأغاني قاسم كافي وصولا إلى أم كلثوم مرورا بفيروز وعبد الوهاب وتضم هذه السهرة حسن الدهماني وألفة بن رمضان وشهرزاد هلال ونورالدين الباجي ودرصاف الحمداني ..
تحدث السيد وزير الثقافة طويلا ولم يترك شيئا لمدير مهرجان قرطاج سوى أن يفرض علينا مشاهدة مقاطع من عروض بعض الفنانين المبرمجين مثل باتريك فيوري (15جويلية) وميكا (31جويلية) وجمال دبوز(2أوت)، ثم أعطى الكلمة لفتحي الهداوي مدير مهرجان الحمامات ومدير المركز الثقافي الدولي بالحمامات الذي أطنب في شكر معاليه وشكر إطارات وزارة الثقافة الذين لولاهم لما تمكن "سي فتحي" من إنجاز أي شيء، وقد وعد الهداوي الذي مازال يحمل مخلفات حادث المرور الذي تعرض له مؤخرا، بجلب مطربين ومفكرين ومسرحيين كبار ووعد بتخصيص قسم للمرأة وبرنامج متكامل للأطفال مع ضمان إطعامهم على عين المكان، كل ذلك بفضل تفهّم السيد الوزير ورئيس ديوانه ومختلف المديرين بالوزارة .
بقينا ساعة كاملة تزيد في قاعة ضيقة دون تكييف ننتظر فسح المجال لأسئلة الصحافيين وحين جاء الفرج بادرنا بالسؤال عن المكافأة المادية التي سيتسلمها فتحي الخراط نظير إداراته لمهرجان قرطاج خاصة وأنه يشغل خطة مدير عام بوزارة الثقافة، وسألنا الوزير عن نسبة العروض المبرمجة في إطار التبادل الثقافي الدولي وسألناه عن محاذير العروض الرمضانية وهل ستتدخل الوزارة لتفادي أغاني العشق أو التي تتضمن مفردات الخمر وكؤوس الراح خشية استفزاز الإخوة السلفيين من ذوي المشاعر الرقيقة التي تهبّ لنصرة الإسلام بسبب لوحة يشكّ في عرضها أصلا في ربيع الفنون بقصر العبدلية، واستفسرنا وزير الثقافة عالم الاجتماع عن النسب المعقدة التي قدمها فهو تارة يتحدث عن المشاركة التونسية مقارنة بعدد العروض وتارة مقارنة بعدد المطربين.
كان جليا أن السيد الوزير لم يستلطف أسئلتنا ولذلك اكتفى بالقول إنه لم يبحث بعد موضوع مكافأة مدير المهرجان وبأنه سيطبق القانون وسيعلن عن ذلك في الإبان دون أي حرج ولكن السيد الوزير غضب من إلحاحنا وإحدى زميلاتنا- التي خيرت أن تمارس دورها كصحافية ناقدة لا أن تشكر معاليه أو تذكره بقصة قوله "على جثتي"- على معرفة أسماء أعضاء لجنة الفرز كما سماها متكتما على أعضائها، فارتفع صوت السيد الوزير وهو يقرأ الأسماء ثم أردفها بتقرير اللجنة الذي تحدث عن شح في الإبداع وعن شطط في الكلفة، وهنا إحتد الجدل ذلك أن اللجنة تضم كلا من الأسعد قريعة مدير مركز الموسيقى المتوسطية النجمة الزهراء وكمال الفرجاني وعبد الكريم صحابو ، لم يقبل السيد الوزير ملاحظتنا فأكدنا له أننا لا نشكك في رغبته في الإصلاح ولكن من الواضح أن قوى الممانعة في وزارته تأبى ذلك، فالأسعد قريعة أستاذ متميز وخلوق وهو رجل لطيف المعشر ومنتج إذاعي وتلفزي متمكن ولكن هل يحفظ له تونسي واحد عدى زوجته نورة أمين جملة موسيقية ثم لماذا الإصرار على كمال الفرجاني في لجان وزارة الثقافة؟ ألم يكن الجواد الرابح للوزارة زمن بن علي؟ عضوا في لجنة الدعم وعضوا في هيئات مهرجان الأغنية الذي تحول إلى مهرجان الموسيقى وظل الفرجاني ثابتا بل تولى إدارة أول دورة لهذا المهرجان (وهي الدورة اليتيمة إلى حد اليوم) كما كان قائدا قارا للفرقة الموسيقية التي تنفذ أغاني المشاركين في أكثر من دورة لمهرجان الأغنية، أي أن سي كمال كان جزءا من منظومة ثقافية قديمة حان الوقت لتغييرها في سياق مسار الإصلاح الذي وعد به الوزير والذي ينتظره منه المواكبون للشأن الثقافي . ونفهم لماذا برمج نصير شمة للمرة الألف في تونس مادام الصديق الصدوق لكمال الفرجاني، رجل الظل في وزارة الثقافة في العهدين قبل الثورة وبعدها .
أما عبد الكريم صحابو فغنى ألحانه أهم المطربين في بلادنا وحفظت كما أبناء جيلي عددا من أغانيه"غدار" للشاذلي الحاجي و"شمس النهار " لنجاة عطية و"همس الموج" لمنية البجاوي... ولكن مسيرة الرجل الفنية توقفت منذ زمن بعيد، ثم عاد بثوب النقابي ليختفي من جديد مكتفيا بمعهده الموسيقي الخاص.
لم يقبل السيد الوزير سؤالنا وقال أمام الملا بأنه يمكننا أن ننشر كل هذا على صفحات التونسية ونحن نشكره على حسن ظنه بنا ، وطلب منا من باب التحدي أن نقترح عليه أسماء تحظى بالإجماع فأجبناه بأن المسألة لا تتعلق بالأسماء فلست متعهد حفلات ولكن بالمقاربة المنتهجة فما علاقة هذه اللجنة بواقع الموسيقى في تونس بعد الثورة؟ وأين التعبيرات الموسيقية التي برزت بعد 14 جانفي أو أنها نحّيت جانبا لأنها على غير ذوق السيد الوزير بطمّ طميمه ؟
ثم هل كانت اختيارات اللجنة ملزمة للوزارة ولفتحي الخراط أو أنها لجنة استشارية غير ملزمة كما ورد في حديث فتحي الهداوي عن برمجة مهرجان الحمامات إذ قال حرفيا
" لقد أعلمني معالي الوزير بأن البرمجة المقترحة من اللجنة مجرد مشروع ويمكنك أن تختار ما تشاء وترفض ما تشاء" .
وتضم اللجنة فضلا عن الثلاثي الموسيقي المشار إليه الراقص والكوريغراف عماد جمعة والمسرحي سليم الصنهاجي، وتلك قصة أخرى...
قمّة التشنج في الندوة الصحافية ترافقت مع تدخل المطرب صلاح مصباح الذي تحدث بألم وحرقة قائلا لقد حلمنا بالثورة وحبلنا بها وشاركنا فيها فهل بهذه الطريقة تكافئنا وزارة الثقافة؟" كان صلاح مصباح متألما وهو الذي كان قليل الحظ أغلب سنوات حكم بن علي الطويلة، ويعرف الموسيقيون أكثر من غيرهم كيف كان صلاح يستثنى من حفلات قصر قرطاج ومن الحفلات خارج تونس في احتفالات 7نوفمبر ، بطبيعة الحال نسي كل هذا ولم تحتفظ الذاكرة الانتقائية سوى بغناء صلاح في حفل الانتخابات الرئاسية سنة 2009 رفقة جل مطربي تونس ولكن صلاح مصباح كان من بين قلة من المطربين التونسيين في شارع بورقيبة يوم 14 جانفي بدءا بالوقفة الاحتجاجية للفنانين أمام المسرح البلدي، رفقة صديقه اللدود لطفي بوشناق وبلغيث الصيادي والزين الحداد وأسامة فرحات ....
*الدورة 48 لمهرجان قرطاج في أرقام...
- ميزانية المهرجان 3مليارات و500 ألف دينارا من بينها مليار و400 مليون رصدتها الوزارة بتخفيض 150 ألف دينار عن السنة الماضية
*تتراوح أسعار التذاكر بين 10 و30 دينارا وحدّد سعر الاشتراك الزوجي بـ300 دينار والعائلي بـ400 دينارا
*تبلغ كلفة العروض بين صفر مليم(عروض مجانية في إطار التعاون الدولي والتبادل الثقافي) و100 ألف أورو (أي 200 ألف دينارا؟)
*بورقيبة في المركز الثقافي الدولي بالحمامات...
بعد سنوات من الحجب تم الكشف عن لوحة رخامية في المدخلVIP للمركز الثقافي الدولي بالحمامات تخلد تاريخ تدشين المركز من طرف المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة في 31 جويلية 1964(الصورة المصاحبة)
يذكر أن المركز كان في الأصل إقامة لأحد الأثرياء الأمريكيين جورج سيباستيان تحيط بها حديقة بها مختلف أنواع النباتات المتوسطية وقد إقتنتها الدولة التونسية سنة 1959 لتحولها إلى مركز ثقافي أقيم به مسرح الهواء الطلق سنة 1964 لينطلق مهرجان الحمامات الدولي سنة 1966 .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire