أثار
استقبال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لرئيس حركة النهضة كأول شخصية غير
جزائرية بعد تعافيه ، جدلا واسعا وفتح الباب على مصراعيه للتأويلات في محاولة لفهم
أسرار الانفتاح المفاجئ للجزائر على حركة إسلامية ذلك أن مرارة عشرية الإرهاب
الأعمى ألقت بظلالها على موقف الجزائر الرسمي من حركات الإسلام السياسي ، مصادر
مطلعة أفادت التونسية بأن علاقة الإسلاميين التونسيين بالجزائر علاقة مركّبة، ذلك
أن الجزائر خصّت راشد الغنوشي باستقبال كبير في زيارته الأولى لها سنة 1990 بمناسبة التئام ملتقى الفكر السياسي
في الإسلام بمدينة قسنطينة بمشاركة كبار
مفكري وساسة الحركات الإسلامية أمثال: «أبو الفتح البيانوني» و«عدنان سعد الدين»
والمفكر السوري «برهان غليون» والداعية السعودي «أبو بكر جابر الجزائري» والشيخ
«سعيد رمضان البوطي» و«الهاشمي الحامدي الذي لعب دورا كبيرا في إعداد برنامج هذه
الزيارة بفضل علاقاته الممتدة في الجزائر خاصة وانه متزوج بجزائرية .قبل أن ينقلب على حركته الأمّ التي كان من
أبرز قياديي جناحها الطلاّبي بداية الثمانينات، وجدير بالذكر أن عددا من قيادات حركة النهضة
غادرت تونس بعد إحكام بن علي لقبضته الأمنية على البلاد وإعلان سياسة تجفيف
المنابع لتصفية الإسلاميين هربا نحو الجزائر بعبور الحدود خلسة وقد أحسنت الجزائر
وفادتهم ولم تقم بطرد إلا أعداد قليلة يتردّد أنها تورطت في تزوير جوازات سفر
جزائرية، وقد شجع صعود جبهة الإنقاذ الإسلامية بقيادة عباسي مدني إلى واجهة الساحة
السياسية في الجزائر لجوء إخوانهم التونسيين الذين وجدوا في حركة مجتمع السلم
بزعامة محفوظ نحناح الحضن الدافئ لهم . وقد اعترف
محمد بن سالم وزير الفلاحة في حوار لجريدة البلاد الجزائرية في شهر أفريل من العام
الماضي بأنه حظي صحبة الغنوشي باستقبال جيد في الجزائر
الى غاية نهاية سنة 1991 بعد أن قررت الحكومة الجزائرية عقب ما وقع من
أحداث ترحيله قائلا :"
قررت ترحيلنا تحت ضغط زبانية نظام بن علي الذي عمل كل ما في وسعه لإجبار السلطات
الجزائرية على تسلمينا للشرطة التونسية" وارجع
بن سالم الفضل للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة قائلا "لقد قدّم لنا خدمة كبيرة
عندما تدخل شخصيا لدى السيد أحمد غزالي رئيس الحكومة في تلك الفترة والضغط عليه من
أجل عدم تسلمينا أنا والغنوشي لنظام بن علي لترضخ في الأخير حكومة غزالي وتسمح لنا
بالخروج من الجزائر باتجاه لندن وهو الموقف الشجاع والإنساني للرئيس بوتفليقة الذي
لا يمكن نسيانه"، ويبدو أن بعض التفاصيل قد فاتت السيد محمد بن سالم في تذكره
للأحداث التي مرّ عليها زمن طويل، فهو لم يكن صحبة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي و لم يكن في تلك الفترة من الشخصيات المعروفة في الحركة حتى عند عموم
أبنائها، أما الذي كان معروفا لدى المصالح
الجزائرية السياسية و الإعلامية و حتى الأمنية فهو الدكتور احمد الزناد الذي كان
يقيم بالجزائر منذ سنوات و يشتغل في إطار دراسته في مستشفى مصطفى بالعاصمة الجزائرية
و كانت هذه المصالح المذكورة ترجع له في كل ما يخص الحركة بما في ذلك مقابلات
الغنوشي أو غيره مثل محمد شمام الذي يشتبه في قيادته لمحاولة اغتيال بن علي بصاروخ
"ستينغر" سنة 1991 و قد طلبوا منه مغادرة الجزائر في فيفري 1992 بعد
الإطاحة بالرئيس الشاذلي بن جديد .
ومعلوم أن الغنوشي غادر تونس في شهر ماي
1989 بعد انتخابات أفريل 1989 التي عرفت بروز القائمات البنفسجية المدعومة من حركة
النهضة وكانت وجهة الغنوشي إلى ألمانيا ثم استقر في الجزائر بعد أن امتنعت السلطات
التونسية عن تجديد جواز سفره، وفي 10 نوفمبر
1991 قامت السلطات الجزائرية بترحيله في
اتجاه الخرطوم صحبة كل من المختار
بدري ـ عامر لعريض ـ الصحبي
الهرمي ـ محسن الجندوبي ـ عبدالحميد العداسي ـ رضا التونسي ـ رضا
الباروني ـ
وكان إقلاع الطائرة
المدنية الخاصة ليلا يوم 10 نوفمبر 1991 من مطار غرداية بالجنوب الجزائري بإشراف
مصالح المخابرات العسكرية على العملية من أولها إلى آخرها.
وتؤكد مصادر
عليمة للتونسية أن الوزير محمد بن سالم لم يكن من المطالبين بالرحيل من
قبل السلطات الجزائرية و لم يكن ضمن قائمة الذين سفّرتهم السلطات الجزائرية الى
الخرطوم.. بل إن السيد بن سالم خرج بمحض إرادته صحبة عائلته و ليس صحبة راشد
الغنوشي و ذلك في مارس سنة 1992 متوجها الى فرنسا، أما وليد البناني(النائب
بالمجلس الوطني التأسيسي) فقد توجه الى
بلجيكا و لطفي زيتون الى بريطانيا و
البقية في أغلبهم الى ألمانيا و النمسا كمحطة عبور الى بقية البلدان الأوروبية.
مصادرنا أكدت أن الرئيس بوتفليقة الذي كان أيامها مقيما
بالإمارات العربية المتحدة قد فعل"
شيئا" لصالح راشد الغنوشي شخصيا و عائلته
مثلما تدخل الرئيس الأسبق احمد بن بيلا و كذلك عبد الحميد مهري (كان وقتها
الأمين العام لجبهة التحرير الوطني) وعبد العزيز بلخادم(كان وقتها رئيسا للبرلمان
الجزائري) و الشريف مساعدية و حركة حماس بقيادة محفوظ نحناح لفائدة قيادات النهضة
التي فرّت من نظام بن علي، ويضيف أحد
قياديي النهضة ممن عاشوا تلك المحنة فضّل عدم الكشف عن هويته" لا بد من الاعتراف
أيضا بجميل قيادات جهاز الأمن العسكري و المدني الذين سهلوا لنا سبل المغادرة دون
عناء يذكر، و كذلك موقف المرحومين
الرئيسين الشاذلي بن جديد
ومحمد بوضياف"
وفي
سنة 1999 ترشح بوتفليقة دون غطاء حزبي في انتخابات الرئاسة الجزائرية ولكن منافسيه
الستة (احمد طالب الإبراهيمي،عبد الله جاب الله ، حسين آيت أحمد، مولود حمروش،
مقداد سيفي، يوسف الخطيب) انسحبوا من السباق الانتخابي بحجة أن بوتفليقة مدعوم من
طرف الجيش الجزائري . الدكتور
أحمد المناعي رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية والخبير بالشأن الجزائري بحكم
إقامته سنوات طويلة للعمل بالجزائر وزواجه بجزائرية أفادنا بأن راشد الغنوشي بعث
برسالة لبوتفليقة يطلب منه أن يستقيل من الرئاسة بسبب عدم شفافية انتخابه، كما
أوعز لوزير الخارجية التونسي الأسبق محمد المصمودي بأن يطلب من بوتفليقة-الذي
تجمعه به صداقة منذ الستينات تمتنت خلال سنوات إقامتهما الطويلة في الإمارات
العربية المتحدة وقربهما من الشيخ زايد مؤسس دولة الإمارات- أن يستقيل من منصبه ،
وقد حاولنا الاتصال بالسيد المصمودي وزير الخارجية الأسبق في مقر إقامته بالإمارات
دون جدوى. ويبدو
أن المقال الذي نشره نورالدين الختروشي-النهضوي السابق- في إحدى الدوريات العربية
سنة 1999(جريدة الحياة) كان في إطار الضغط "الناعم"
على بوتفليقة ليستقيل ، وهو ما لم يحدث، رغم أن
السيد الختروشي الذي يترأس اليوم حركة البناء المغاربي أكد لنا في إتصال هاتفي أن
المقال الذي كتبه كان يعبّر عن موقفه الشخصي .
وفي
السياق ذاته، تتفق روايات متعددة على متانة العلاقة التي كانت تصل الرئيس بوتفليقة
بالماجدة وسيلة بورقيبة زوجة المجاهد الأكبر، أما ما تردد بشأن استقبال الباجي
قائد السبسي لبوتفليقة قبل استقلال الجزائر فهي إشاعة يبدو أن قريبين من قائد
السبسي قاموا بالترويج لها، ذلك أن بوتفليقة كان في المنطقة الغربية خلال الثورة
الجزائرية أي على الحدود المغربية وليس منطقيا أن يلتجئ إلى تونس في تلك الظروف ...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire